Site icon سات لينك موقع الفضائيات الاول

“الذئاب الرقمية المنفردة”.. القوة الخفية الداعمة للتنظيمات الإرهابية

ساحات المعارك في الفضاء الرقمي لا تقل شراسة عن ميادين القتال التقليدية، وفي تلك الساحات تبرز ظاهرة “الذئاب الرقمية المنفردة”، وهي عناصر تزعم أنها “لا تنتمي لأي جماعة”، لكنها في الواقع تنفذ أجندات تخريبية لتنظيمات لها تاريخ أسود في صناعة الإرهاب الفكري والمسلح. إن هذه العناصر التي تتخفى وراء ستار الحياد أو المعارضة السلمية، ليست سوى أدوات تعمل على تمهيد الأرضية الفكرية لعودة الإرهاب بأثواب جديدة.

في نوع من التكامل في الأدوار بين “ذراعٍ إعلامي” مُعلن وآخر ناعم مُتخفٍ، تُطلِق التنظيمات الإرهابية الشائعات والأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة، بينما تعمل عناصر، تزعم أنها مستقلة ولا تنتمي لأي تنظيم، على إكسابها غطاء المصداقية والانتشار في أوساط قد تتحفظ على مصادر التنظيمات الإرهابية. وهذا ما يُعرف باسم عمليات الغسل الإعلامي للأكاذيب لتصبح “وجهة نظر” أو “تحليلاً” مقبولًا في دوائر أوسع انتشارًا.

عندما تُنشر أخبار غير صادقة، فإنها تثير الشكوك، وتُفقد الثقة في المؤسسات الرسمية، وتنشر الفزع والبلبلة بين طبقات المجتمع. فترويج هذه العناصر لـ”بضاعة” الإرهاب الإعلامية هو إعلان عن أنهم جزء من مكونات جبهة حرب نفسية تهدف إلى النيل من هيبة الدولة واستقرارها.

وتعلم هذه العناصر أن ترويج منشورات بالأسلوب الذي نراه في الكثير من حسابات التواصل الاجتماعي داخل مصر هو تشكيك منهجي في أي قرارات حكومية، والسخرية منها، والطعن في جدواها، يتجاوز حدود “النقد البناء” أو التعبير عن “حرية الرأي” ليصبح هدفًا أعمق.

والتنظيمات المتطرفة لا تستهدف فقط التخريب المادي، بل الأهم هو إثبات أن الدولة غير قادرة على إدارة شؤون مواطنيها، وأن قراراتها عاجزة أو فاسدة. عندما يتبنى شخص يزعم أنه “لا ينتمي لأي جماعة أو تنظيم” هذا الخطاب التشكيكي، فإنه يوفر للتنظيمات الإرهابية ما فشلت في تحقيقه عبر العمليات المسلحة من فتور شعبي تجاه مؤسسات الدولة. هذا التشكيك يمثل جسرًا تعبر عليه الأفكار المتطرفة التي تدعو إلى التمرد والعنف، بعد أن يتم إقناع المواطن بأن لا جدوى من الإصلاح عبر القنوات الرسمية. وهو محاولة لزرع اليأس والإحباط، مما يؤثر على الإنتاجية والحالة النفسية للمجتمع.

أما عن ترويج منشورات تسهم في تمجيد قيادات في التنظيمات الإرهابية بالادعاء أن أحدهم مثلاً “كان وزيرًا حريصًا على مصالح محدودي الدخل”، أو منشورات يسعى أصحابها لترويج الفكر المتطرف المغلف بغطاء مواعظ دينية لإرهابي يرتدي قناع الداعية الإسلامي، فهو يكشف عن الهدف النهائي لمثل هذه الحملة التي تستهدف تبييض صفحات الإرهاب السوداء.

إنها محاولة واضحة لإعادة صياغة تاريخ التنظيمات الإرهابية وتجميل صورة من ثبت تورطهم في العنف والقتل وسفك دماء، فقد لجأت التنظيمات الإرهابية إلى تكتيك “التذكرة الانتقائية” عبر أدواتها المتخفية. بعد أن فقدت مصداقيتها بالكامل. يهدف هذا التكتيك إلى:

أنسنة الإرهاب وتقديم القيادات المتطرفة في ثوب “المصلح الاجتماعي” أو “الكادر الإداري الكفء” بدلاً من “المحرض على القتل والتخريب”.

ثم تبدأ في استقطاب جيل جديد ومخاطبة جيل الشباب بخطاب عاطفي يربط قياداتها بمفاهيم العدالة الاجتماعية والاهتمام بالفقراء، في محاولة يائسة لزرع بذور التعاطف مع الأيديولوجيا التي يمثلونها. إنها محاولة لصناعة أصنام جديدة للشباب الغاضب أو الباحث عن قدوة.

أما عن المنشورات الممنهجة التي تسخر من أي إعلامي أو كاتب صحفي يعلن دعمه لمؤسسات الدولة المصرية، وتصل إلى حد السب واللعن والتجريح، فهي تعكس استراتيجية حصار ممنهجة، تستهدف تخويف وترهيب كل من يجرؤ على الاصطفاف خلف الدولة ومؤسساتها. فالسخرية والتشويه تكتيك نفسي يهدف إلى إظهار الداعم للدولة بمظهر الساذج أو المأجور أو غير الكفء، مما يدفع الأفراد الآخرين إلى التزام الصمت خوفًا من التعرض لنفس الحملات. وهذا يعمل على خلق فراغ إعلامي وتفريغ الساحة من أي خطاب وطني مؤيد للدولة، ليصبح الخطاب الوحيد المسموع هو خطاب التشكيك والسلبية الذي تروج له التنظيمات الإرهابية وأدواتها.

ومن هنا يتم عزل المؤسسات الوطنية ومحاصرة الأصوات الإعلامية التي تشرح القرارات وتدافع عن المصلحة الوطنية، تمهيدًا لضرب الثقة بين المواطن ومصادر المعلومات الرسمية.

هل هو مخطط لخلق ظهير شعبي ومحاولة لإحياء التنظيمات الإرهابية؟

بالنظر إلى كل ما سبق، فإن الإجابة عن التساؤل تكون مدوية: نعم، يُعد هذا مخططًا متكاملاً يهدف إلى خلق ظهير شعبي، ويقدم دعمًا مباشرًا للخلايا النائمة في محاولة خبيثة لإحياء التنظيمات الإرهابية من جديد ومحاولة لتمهيد التربة لتنفيذ مخطط إعادتها لسدة الحكم عبر بوابة الفضاء الرقمي والوعي المغلوط. فالإرهاب لا يستطيع أن يعيش دون بيئة حاضنة، وهذه البيئة لا تقتصر على المساجد أو الأحياء الفقيرة فقط. ولذلك تسعى الدول الراعية للإرهاب إلى خلق ظهير شعبي رقمي يوفر للتنظيمات الإرهابية شرعية زائفة تستهدف الإيحاء بأن هناك شريحة واسعة من المجتمع (غير إرهابية) تتفق مع أفكارها وتشكيكاتها، وتسعى التنظيمات لتجنيد “ذئاب رقمية” لا تنتمي لأي تيار سياسي أو جماعة دينية، بل إنها تسعى لاستقطاب مؤثرين “من غير المسلمين” أو من أصحاب الانتماءات الفكرية المعادية للتنظيمات الدينية، حتى يصبح اتهام أحدهم بالانتماء لتنظيم إرهابي أو اتهامه بالعمل على تحقيق أهداف إرهابية، موضع سخرية وتهكم ودفع من دفوع المطالبة ببراءته من أي اتهام.

هذه المنشورات التي تبدو في ظاهرها بريئة هي في الحقيقة وقود للاستقطاب توفر مادة جاهزة للمتطرفين لتجنيد الشباب، حيث يقدمون لهم “أدلة” من مصادر تبدو محايدة تشهد بـ “صلاح” الماضي الأسود الذي يمثله أي تنظيم إرهابي، وفي المقابل الادعاء بفساد مؤسسات الدولة، ولا يمكن للإرهاب المسلح أن ينجح دون “تطرف فكري” يسبقه. عندما ينجحون في إقناع شريحة من المجتمع بأن مؤسسات الدولة ظالمة وغير كفء، فإنهم يزيلون الحاجز الأخلاقي والنفسي أمام العنف والتمرد.

مخطط “الذئاب الرقمية المنفردة” قد يبدو في ظاهره حربًا إعلامية، لكنه في الواقع يُخفي خطة ممنهجة لتعطيل جهود التنمية والاستقرار الاقتصادي. فكل شائعة كاذبة تنطلق من حساباتهم تؤدي إلى اهتزاز ثقة المستثمر، وتكلف الدولة جهدًا ومالًا مضاعفًا لتصحيح المسار، وهذا كله يُخصم في النهاية من رصيد التنمية والخدمات التي يستحقها المواطن.

إن هذه العناصر، التي تتخفى ببراعة وراء شعارات “الحياد” و”المعارضة السلمية”، هي في الحقيقة أقنعة رقمية للتنظيمات الإرهابية، وهي الخط الأول في معركة “تزييف الوعي المصري” وتخريب عقول الشباب لتهيئتها لتقبل الفكر المتطرف. ويدرك الخبراء أن ترويج شائعة أو السخرية من قرار حكومي أو تمجيد رمز متطرف، هو في المحصلة النهائية خدمة مجانية تُقدم لتلك التنظيمات.

عزيزي المواطن، راجع منشورات التواصل الاجتماعي وفكر قليلًا قبل أن تشارك في ترويجها. تحقق دائمًا من الانتماء الفكري لأصحاب الحسابات والصفحات الخادعة، حتى لا تصبح، عن غير قصد، جزءًا من شبكة الذئاب الرقمية الداعمة للتنظيمات الإرهابية. يقظتك هي خط الدفاع الأول في معركة الوعي وحماية المجتمع من التأثيرات الضارة للإرهاب الرقمي.

Exit mobile version