Site icon سات لينك موقع الفضائيات الاول

من الردع إلى الإبادة.. إسرائيل تكتب الموت بنصوص قانونية

في سماءٍ رماديةٍ مثقلةٍ بالدخان، تختلط رائحة الدم بغبار الركام، وتتحول غزة إلى لوحة من المأساة المعلّقة بين الحياة والموت، المدينة التي كانت يومًا تضجّ بالحياة، غدت اليوم رمادًا يلفّه الصمت، وأطفالًا يُنتشلون من بين الأنقاض، ومستشفياتٍ تنهار فوق أجساد المرضى، فيما العالم يكتفي بالمشاهدة.

إن ما يجري لم يعد مجرد حربٍ أو مواجهةٍ عسكريةٍ محدودة، بل إبادة جماعية مكتملة الأركان، تُدار بوعيٍ سياسيٍّ منظم، وبمزيجٍ من القصف والتجويع، وتستهدف الفلسطيني ليس فقط كجسدٍ، بل كهويةٍ ووجودٍ وحقٍّ في الحياة.

في هذه الحرب، لم يعد الموت حادثًا جانبيًا، بل أصبح النتيجة المقصودة من آلةٍ لا تعرف الرحمة، تحكمها حكومةٌ يمينيةٌ متطرفة جعلت من القتل عقيدة ومن الدمار سياسة.

حين تتحول الجريمة إلى قانون

الأخطر من مشاهد الدمار هو ما يجري داخل الكنيست الإسرائيلي، حيث تسعى الحكومة إلى شرعنة القتل عبر تشريعات رسمية تمنح الإبادة صفة القانون، وتحوّل الجريمة إلى واجب وطني.

فنجد إعادة طرح مشروع قانون الإعدام للأسرى الفلسطينيين ليست خطوة قانونية عابرة، بل إعلانٌ صريح بأن إسرائيل لم تعد تخشى إخفاء نواياها، وأنها انتقلت من ممارسة العنف إلى تقنينه، ومن التبرير الأمني إلى التباهي السياسي.

إن هذا التحول يكشف عن عقلية جديدة تحكم الفكر الإسرائيلي المعاصر، عقليةٍ لا تبحث عن الردع، بل عن الهيمنة المطلقة، تُريد أن تُقنع العالم بأن القتل هو طريق الأمن، وأن الدم الفلسطيني هو ثمن الاستقرار.

انقسام داخلي وعزلة دولية

في الداخل الإسرائيلي، يعكس هذا القانون أزمة سياسية عميقة يعيشها المجتمع، بين حكومةٍ يمينيةٍ متطرفة تتغذى على خطاب الكراهية، ومعارضةٍ عاجزة عن كبح اندفاعها نحو الهاوية.

فكلما تصاعدت الخسائر في غزة، ازداد توظيف الدم الفلسطيني كورقةٍ انتخابيةٍ لتثبيت الحكم، بينما تُدفن قيم الديمقراطية تحت أقدام اليمين المتشدد.

أما في الخارج فقد بدأ الصدى يرتدّ بقوة

ومع ازدياد الأصوات الحقوقية المطالبة بمحاسبة قادة الاحتلال، تتّسع دائرة العزلة القانونية والأخلاقية حول إسرائيل، التي بدأت تفقد تدريجيًا صورتها كدولة قانون لتتحوّل إلى نظامٍ يقوم على منطق القوة العارية.

نهاية فكرة السلام

بهذه السياسات، لم تعد إسرائيل تهدم غزة فحسب، بل تهدم فكرة السلام نفسها.

فحين يُصبح الإعدام عقوبةً على الهوية، وحين تُمنح الجريمة غطاءً قانونيًا، فإن أي حديث عن مفاوضات أو تسوية يصبح عبثًا.

القانون الجديد لا يهدف إلى الردع كما يروّج قادتها، بل إلى إلغاء الوجود الفلسطيني سياسيًا وإنسانيًا، وإعادة تعريف العلاقة بين المحتل والمحتَل على أساس القهر لا الحوار.

بهذا المنطق، تسير إسرائيل نحو دولةٍ تُقنن الفوضى، وتستبدل العدالة بالانتقام، وتستبدل القانون بالرصاص. إنها مرحلة جديدة من الصراع، تُكتب بلغة الدم لا الكلمات، وبقوانين الموت لا الدبلوماسية.

غزة تنزف.. والعالم يصمت

ورغم كل هذا الخراب، تبقى غزة حيةً في وجدان العالم، تنزف لكنها لا تنكسر، تُدفن تحت الركام لكنها ترفع رأسها من بين الأنقاض لتقول إن العدالة لا تموت.

فالعالم الذي يصمت اليوم، سيجد نفسه غدًا أمام محكمة التاريخ، يسأل فيها: لماذا سكت حين تحوّلت الإبادة إلى تشريع، والإنسان إلى هدفٍ مشروعٍ بقوة القانون؟

نحو مستقبلٍ أكثر اشتعالًا

إن تمرير قانون الإعدام في إسرائيل لا يمثل مجرد انتهاكٍ قانونيٍ أو تصعيدٍ ميداني، بل هو نقطة تحوّل استراتيجية في طبيعة الصراع.

فهذا القانون يعكس انتقال الفكر الإسرائيلي من منطق “الأمن الدفاعي” إلى “الهيمنة الإبادية”، مما يفتح الباب أمام تصعيدٍ شاملٍ في المنطقة، ويهدد بانفجارٍ سياسي وأمني يتجاوز حدود غزة.

كما أنه يُضعف الموقف الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي، ويمنح القضية الفلسطينية زخمًا جديدًا في المحافل القانونية والحقوقية، إذ تتحول الجرائم الميدانية إلى أدلة تشريعية موثقة.

وفي الوقت ذاته، يدفع هذا التحول العرب والمجتمع الدولي إلى إعادة التفكير في أدوات الردع والضغط، لمنع المنطقة من الانزلاق إلى دوامة دمٍ لا نهاية لها.

إن ما يجري اليوم ليس مجرد تصعيدٍ مؤقت، بل هو إعادة تشكيلٍ للوعي والسياسة في الشرق الأوسط، حيث تسقط الأقنعة، ويظهر الاحتلال على حقيقته: دولة تُشرعن الإبادة باسم القانون، وتُحارب فكرة السلام باسم الأمن.

اقرأ أيضاًإسرائيل: رفات الرهينة المسترجعة من غزة تعود إلى رقيب أول في الجيش

الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات على غزة وخان يونس

Exit mobile version