حفل افتتاح المتحف المصري الكبير.. «نظرة فنية» بعيداً عن خلافات يجني ثمارها «أهل القُبح»

شهدت الساحة الثقافية والإعلامية تفاعلاً واسعاً أعقب حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، تراوحت أصداؤه بين إشادة بالنجاح الدبلوماسي والفني، وبين نقد حاد ومقارنات غير موضوعية مع فعالية “موكب المومياوات الملكية” التي أُقيمت عام 2021.

إن هذه الفعاليات الكبرى التي نفذتها الدولة المصرية هي مشاريع فاعلة ضمن استراتيجية ‘الدبلوماسية الثقافية’ الهادفة إلى ترسيخ صورة مصر كقوة حضارية محورية، تهدف هذه ‘النظرة الفنية’ إلى تجاوز النقد الهادم، بتقديم تحليل مقارن موضوعي بين الحدثين، عبر تفكيك عناصر الإخراج الفني، والرؤى الإبداعية المتبعة، والقدرات التقنية الموظفة، وذلك لاستخلاص الدروس اللازمة لتعزيز مكانة مصر الرائدة في تقديم الملاحم الثقافية الكبرى.”

وفي نظرة ناقدة بموضوعية نحاول أن نقترب مما حدث ولأن جُل الانتقادات كانت حول مقارنات غير منطقية بين حفل “موكب الموميات الملكية” عام 2021 وبين حفل المتحف المصري الكبير فلنقترب من الحدثين.

الفعاليات الكبرى التي نفذتها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، وتحديداً “موكب المومياوات الملكية” في عام 2021 و”حفل افتتاح المتحف المصري الكبير” في عام 2025، بمثابة مشاريع يمكن ان نطلق عليها “الدبلوماسية الثقافية “الهدف الأساسي من وراء هذه الاحتفالات لا يقتصر على نقل الآثار أو تدشين صرح جديد، بل يهدف إلى تثبيت صورة مصر كقوة حضارية محورية قادرة على تنفيذ فعاليات عالمية بمعايير شديدة الجودة.

على المستوى الاستراتيجي، مثلت الفعاليتان نقطتي تحول بارزتين في المشهد الثقافي والسياحي المصري، موكب المومياوات (2021) جاء ليضع نهاية مرحلة نقل الآثار القديمة من المتحف بالتحرير إلى مقرها النهائي في متحف الحضارة بالفسطاط، في المقابل، يمثل افتتاح المتحف المصري الكبير (2025) بداية مرحلة جديدة تهدف إلى توظيف الأثر الثقافي والتراثي كقاطرة يمكن البناء عليها.

الإخراج والكوادر الفنية

كانت استراتيجية “الإخراج ” في كلتا الفعاليتين مختلفةبحسب ماهو معلن، مما يعكس طبيعة التحديات والتعقيد التقني لكل حدث، وقد أظهرت مصر توجهاً واضحاً نحو تطوير الكوادر المحلية المتخصصة في الإنتاج الضخم، بدلاً من استيراد فرق إخراج أجنبية بالكامل، وهو ما أسهم في تراكم الخبرات على مدار الأعوام الفاصلة بين الحدثين، وهو مايحسب لأصحاب القرار في هذا الأمر.

موكب المومياوات الملكية (2021)

اعتمد موكب المومياوات على هيكل إخراجي يركز على وحدة الرؤية السينمائية البصرية لتغطية المسار الطويل للموكب، تولى المخرج “عمرو عزيز” الإخراج الرئيسي للحدث.

ومع ذلك، كان لمدير التصوير “مازن المتجول “دور بصري محوري، حيث شارك في الإخراج وتصميم الإضاءة، هذا الهيكل الفني ركز على تكليف مدير تصوير عالي الكفاءة بمسؤولية الإضاءة والإخراج الجزئي لضمان جودة صورة متجانسة واستثنائية على طول المسار المتحرك، هذا التركيز على السينماتوغرافيا “وسائل التعبير الخاصة بالصورة المتحركة” كان عاملاً أساسياً في نجاح نقل الحدث عالمياً، مما أدى إلى إشادات واسعة.

افتتاح المتحف المصري الكبير (2025)

شهد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير بنية قيادية أكثر تعقيداً تعكس حجم وضخامة الحدث. تضمن الفريق كوادر متعددة، أبرزهم مازن المتجول الذي قاد حفل الافتتاح كمخرج ومدير تصوير مع إثنين غيره، احمد المرسي وماجد غنيمي هذا التعدد الإخراجي جاء تحت إشراف مؤسسي مباشر من الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وفقاً لما هو معلن.

يشير الانتقال من نموذج الإخراج الفردي في ” موكب الموميات” إلى الإخراج التعاوني تحت إشراف مؤسسي في المتحف الكبير، إلى تزايد الثقة المحلية والقدرة على التعامل مع التعقيدات الإخراجية المتعددة المستويات حيث يتطلب حفل الافتتاح إدارة متزامنة لكل من الإخراج المسرحي المباشر للعروض، والإخراج السينمائي للتغطية الشاملة، وإدارة مشاركة النجوم والشخصيات العامة، أدى النجاح البصري الذي حققه مازن المتجول في المومياوات إلى تصعيده لدور أكثر مركزية في افتتاح المتحف وهو مايحسب لصاحب القرار، فلدينا اعمال فنية كثيرة مثلا مصور صغير في ليالي الحلمية أو كتيبة الاعدام، مثل سامح سليم يتم تصعيده بعد ذلك ويمسك يزمام الكاميرافي اعمال كثيرة مثل “عسل إسود”.. عندما ينجح مدير تصوير في “موكب الموميات” ويتم تصعيدة في دور أكبر في “المتحف الكبير” فهو مايحسب للادارة لا عليها!

الرؤية الإبداعية في “الموميات” و “المتحف”

اختلفت البنية الدرامية والرؤية الإبداعية لكل حدث بشكل جوهري، متأثرة بطبيعة المكان والهدف المعلن.

موكب المومياوات: بنية السرد الحركى

في موكب المومياوات، كانت الرحلة بحد ذاتها هي المسرح والسرد والبطل، الهدف السردي الرئيسي كان إحياء فكرة “البعث” والرحلة الأبدية للملوك تميز الإخراج بوحدته العاطفية، حيث خلق شعوراً بالمهابة والخشوع الذي أقر به النقاد العالميون.

كان العمود الفقري العاطفي للحدث هو العناصر الفنية الموحدة، وعلى رأسها الموسيقى الأصلية، وكلنا سمعنا تقديم ترانيم وموسيقى فرعونية للموسيقار هشام نزيه وأداء السوبرانو أميرة سليم كما عززت الرمزية الدينية والزمنية من عمق الحدث، مثل اختيار مرور الموكب في 12 بوابة، تمثل عدد ساعات الليل وعقيدة البعث لدى المصري القديم.

هذه الوحدة السردية العميقة جعلت الموكب ينتصر فيما يسمى “العمق العاطفي” وكان تأثيره قوياً مدهشة.

المتحف المصري الكبير: بنية السرد المكاني

في المقابل، ركز حفل افتتاح المتحف الكبير على “بنية السرد المكاني”، حيث كان الهدف الاحتفال بالصرح المعماري الأيقوني نفسه وربطه بأهرامات الجيزة، تمحور السرد حول “الجمهورية الجديدة” واستخدام الماضي لصناعة المستقبل، مما يعكس تكامل رؤية الدولة بين الثقافة والتنمية.

اعتمد الإخراج على تنوع العناصر الفنية، من عروض تمثيلية واستعراضات (مثل استعراض شريهان) هي الأخري نالها من التنمر والنقذ القاسي مالا تستحقه على الاطلاق ومشاركات شرفية (مثل مشاركة كريم عبد العزيز/القوة الإخراجية هنا تمثلت في القدرة على دمج الحداثة (المبنى والتقنيات) مع التاريخ (الأهرامات)، وتوظيف المدخل والمبنى (الذي يُعد أكبر متحف في العالم، كبطل رئيسي في القصة. هذا التوجه منح المتحف الكبير انتصاراً في “الاتساع الحضاري، على الرغم من أن تعدد الفقرات وتنوعها رفع من خطر تشتت الرسالة الموحدة، مما جعل البعض يعتبر الموكب أكثر “أصالة” وأعمق “سردياً”

الإمكانيات التقنية: مقارنة التنفيذ والتوثيق

تطلبت كل فعالية مجموعة فريدة من الدعم اللوجستي والتقني التي شكلت تحديات إخراجية وهندسية هائلة.

تحديات المسار والحركة في المومياوات مقابل تحديات الموقع الثابت في المتحف.

في موكب المومياوات (2021)، كانت الأولوية المطلقة هي ضمان الأمن والسلامة الأثرية، تطلب ذلك عربات مصممة ومجهزة خصيصاً لتلك العملية، مع التحكم في الاهتزازات لحماية 22 مومياء ملكية، كما تطلب الحدث جهداً لوجستياً هائلاً لتجهيز “مسرح خارجي” بطول المسار، بما في ذلك تجميل الحوائط الخرسانية برسم جداريات فنية وهو مانفذه ببراعة طلاب كلية الفنون.

أما في المتحف الكبير (2025)، فتركزت الأهداف على تجهيز البنية التحتية لاستقبال وفود دولية غير مسبوقة. استوجب الحدث تجهيز بيئة استثنائية لاستقبال 79 وفداً رسمياً، من بينهم 39 وفداً برئاسة ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات. تضمنت التجهيزات رفع كفاءة البنية التحتية في محيط المتحف.

التقنيات البصرية والإضاءة

تميز إخراج موكب المومياوات بالاعتماد على كثافة الكاميرات لتأمين اللقطات المستهدفة، ووفقاً للمعلومات تم استخدام 29 كاميرا لتغطية المسار المتحرك. كانت الإضاءة طولية، تتبع الإيقاع البطيء والمهيب للموكب، بالإضافة إلى إضاءة ميدان التحرير والمسلة والمباني السكنية على طول خط السير.

في المقابل، ركز إخراج المتحف الكبير على قوة الإضاءة الثابتة والإبهار الهندسي، تم استخدام حوالي 1، 700 كشاف لإضاءة المنطقة المحيطة والأشجار، مما حول المتحف إلى أيقونة معمارية مضيئة فالمتحف هنا هو “البطل”.

دمج تكنولوجيا المستقبل: عامل الذكاء الاصطناعي

حدث تحول واضح في الأولوية التقنية بين الحدثين. بينما اعتمد الموكب على تكنولوجيا “الحفاظ على الاثار المتحركة، أعتمد المتحف عن دمج تقنيات البث الحديثة والذكاء الاصطناعي.

نجح كلا الحدثين في تحقيق تأثير عالمي كبير، لكن مناطق القوة والضعف والانتقادات الموجهة اختلفت تبعاً لطبيعة كل فعالية.

* المومياوات (2021): تميز بنجاح إعلامي وعاطفي ضخم، حيث تم البث مباشرة عبر 400 قناة حول العالم. حظي الحدث بإشادة عالمية واسعة، بما في ذلك إشادات من مؤسسات دولية مثل اليونسكو.

* المتحف الكبير (2025): تميز بنجاح دبلوماسي لافت، حيث وجه أنظار العالم إلى مصر، واستقبل وفوداً رسمية من 79 دولة. أكد خبراء أن الدعاية السياحية التي تحققت من خلال استضافة هذا العدد من القادة والملوك لا يمكن شراؤها بالأموال، مما يعزز مكانة مصر كوجهة رئيسية للسياحة الثقافية.

تقيم فنى موجز

يُمكن وصف موكب المومياوات الملكية (2021) بأنه كان انتصاراً لـ “الفن الذي يحترم التاريخ”. نجح المخرجون في تحويل عملية لوجستية معقدة ومحفوفة بالمخاطر إلى ملحمة سينمائية عاطفية، مستغلين سطوة وقوة تأثير الموسيقى والرموز المصرية القديمة لخلق حالة من الإجلال والعاطفة

في المقابل، كان افتتاح المتحف المصري الكبير (2025) انتصاراً لـ “القدرة التقنية والحداثة”. نجح الفريق في تفعيل أكبر متحف في العالم باستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا، وركز على رسالة مستقبلية قوية تجسد قدرة الدولة على تنفيذ مشروعات حضارية كبرى بمعايير عالمية.

من المؤكد كأي عمل فني أن هناك أخطاء يمكن تداركها، تذوب حتما مع قيام أيادي مصرية بكل الأدوار من اخراج وتصوير وموسيقي وغناء وتقديم واستعراضات وفنيين وتقنيين ومجاميع وغيرها وهي أخطاء يمكن معالجتها والبناء عليها.

ونتمنى في الفعاليات المستقبلية أن تدمج قوة السرد العاطفي والموسيقى الأصيلة والمهابة (التي حققها الموكب) مع التفوق التقني، والبث فائق الدقة، والدمج الفعال للذكاء الاصطناعي (كما ظهر في المتحف الكبير). إن الجمع بين العمق التاريخي والإبهار التقني يضمن الحد الأقصى من التأثير العالمي.

وأيضاً ضرورة استمرارية تطوير الكوادر الوطنية: في مجالات الاخراج والتصوير، يؤكد الاعتماد المتزايد على كوادر مصرية متخصصة مثل مازن المتجول وأحمد المرسي، وغيرهم وتصعيدهم بعد نجاحات سابقة، على أن الدولة المصرية تتبع استراتيجية بناء قدرات ذاتية في الإنتاج الإعلامي والفني الضخم، يجب دعم هذه الكوادر لتكون قادرة على تجاوز الأخطاء وابتكار حلول فنية وتقنية جديدة.. إن إتقان إخراج هذه الملاحم الثقافية لا يحفظ التاريخ فحسب، بل يرسخ أيضاً مكانة مصر كعاصمة للإنسانية وقوة ناعمة رائدة.

الأخطاء واردة والنقد والاختلاف مقبول وربما مطلوب، ولكن ليس للدرجة التى تعطى لمن يمكن تسميتهم “أهل القبح” الفرصة لتشويه كل ماهو جميل.

اقرأ أيضاً«المتحف الكبير.. رسالة مصر إلى العالم» في ندوة لمجمع إعلام الإسكندرية

«أحمد عز» يشارك في حفل السفارة المصرية بلندن بافتتاح المتحف المصري الكبير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى