قانون الإجراءات الجنائية الجديد.. قراءة تحليلية

أصدر المشرع المصري في عام 2025 قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي جاء ليعالج عددًا من الإشكالات العملية التي تراكمت عبر عقود، ويُحدث نقلةً نوعيةً في بنية العدالة الجنائية. اشتمل القانون على تحديثات واسعة لضمان حماية حقوق الأفراد وتحقيق التوازن بين مقتضيات الأمن وحقوق المتهمين، عبر تنظيم أكثر دقة لإجراءات التحقيق والمحاكمة.
من أبرز المستجدات التي جاء بها القانون: تخفيف مدد الحبس الاحتياطي ووضع سقوف زمنية واضحة له، إلى جانب إقرار بدائل للحبس مثل: تحديد نطاق الحركة أو استخدام وسائل المراقبة التقنية. كما عزز القانون حضور المحامي أثناء التحقيق، وأخضع أوامر الإيداع والحبس لرقابة قضائية أكثر صرامة. واشتمل كذلك على إتاحة آلية الصلح في بعض الجرائم الخطيرة للحد من ظاهرة الثأر وتعزيز السلم الأهلي.
وبالتالي فإن هذا القانون يُعَد خطوةً هامةً هدفت إلى تحديث بنية العدالة الجنائية وتعزيز كفاءة المنظومة القضائية. وجاء القانون بمجموعة واسعة من التعديلات التي تهدف إلى: حماية الحقوق، تسريع الفصل في القضايا، وتحقيق التوازن بين متطلبات الأمن وضمانات المتقاضين.
وتضمّن القانون تطويرًا شاملاً لإجراءات التحقيق، حيث أوجب حضور المحامي في جلسات الاستجواب، وقيَّد إمكانية منع الدفاع من الاطلاع على ملف القضية إلا في حالات محددة تقتضيها ضرورة التحقيق. كما أعاد تنظيم إجراءات التفتيش وضبط الأدلة، وألزم جهات الضبط بتسجيل المأموريات باستخدام تقنيات مرئية كلما أمكن، تعزيزًا للشفافية.
ومن التعديلات المهمة أيضًا: توسيع نطاق الصلح في بعض الجرائم التي لا تمس أمن المجتمع بصورة مباشرة، بما يسمح بإنهاء النزاعات بصورة سلمية، ويخفف العبء عن المحاكم، ويعزز الاستقرار الاجتماعي.
من منظور الشريعة الإسلامية، تتوافق هذه التعديلات إلى حد كبير مع المقاصد التي تهدف إلى تحقيق العدل ورفع الحرج ومنع الظلم. فالتقليل من الحبس الاحتياطي، وتعزيز دور الدفاع، وتقييد سلطة الضبط، كلها أمور تتماشى مع مبادئ صون الكرامة الإنسانية ودرء المفاسد.كما أن توسيع نطاق الصلح يعكس روح الشريعة في تشجيع التسامح وحل النزاعات بطرق ودية. وبهذا يشكل القانون خطوةً إصلاحية تتوازن فيها القيم القانونية والشرعية بصورة متقدمة.
وتسهم الضمانات الجديدة، مثل تعزيز حق الدفاع ومنع الإكراه وتحقيق شفافية التحقيق والمحاكمة، في منع الظلم، وهو مقصد شرعي أصيل. وعليه، يمكن القول إن القانون الجديد يوفر توازنًا بين الحفاظ على الأمن العام وضمانات العدالة، ويتماشى في جوهره مع مبادئ الشريعة التي تهدف إلى حماية النفس والحرية وتحقيق الإنصاف.
جملة القول، إن إصدار قانون الإجراءات الجنائية يُعَد أبرز إنجازات الفصل التشريعي، خاصة أن هذا القانون قد منح إجراءات أكثر عدالة في كثير من الحالات، وهو ما يمثل إنجازًا يستحق الإشادة من قِبل السلطة التشريعية وكذلك رؤية الرئيس السيسي لضرورة إنفاذ القانون وتحقيق العدالة الناجزة.